الحملة المصرية للمطالبة بإعدام جمال مبارك
حدث ذات يوم أن فقد رجل صبره
الذي طال أكثر من الازم، فبكى من الفقر والقهر وحرقة الحجز..بكى كثيرا حتى ابتل
وجهه وتورمت عيناه وأحس بارتياح يسري في صدره وعندما أراد أن يتوقف لم تطاوعه دموعه
و بقيت تنزل حتى رسمت مجريين على خديه. وكلما مر وقت ازدادت الدموع غزارة وتدفقا
دون أن يستطيع
الرجل التحكم فيها ..ابتل جسده وكل ثيابه ، وبدأت تجمعات مائية تتكون حوله ، ثم
أخذت تلتقي ببعضها البعض
الوقت يمضي والدموع لا تتوقف ومستوى الما ء يرتفع ويرتفع ..وكانت البركة قد صا رت
نهرا صاخبا
عميق المجرى ، ولم يعد يظهر من الرجل سوى رأسه..يسبح ويضرب الماء بيديه بقوة وهو
يحاول أن يقترب
من الشاطئ الذي أخذ يبتعد شيئا فشيئا ..وقبل أن تختفي آخر ذبالة من وعي الرجل ، أحس
بأنه كان يغرق وسط بحر حقيقي ، مضطرب الأموا ج ، مترامي الأطراف ولا حد لعمقه
المخيف.. في الغسق دفع دفع البحر أمواجه البيضاء المتتابعة جهة الشاطى الخالي
..صفعت الأمواج بعض الصخور الجاثمة هناك ثم ارتدت إلى قاع البحر..وفوق الرمال
المبتلة كانت هناك جثة رجل.
لم يكتشفوا الجثة إلا صباح اليوم كانت مشوهة ودون أوراق هوية .. جاؤا بقارب مثقوب
بدون
وارتجلوا شاهدا في شخص صياد عجوز ، ونشروا في الجرائد الخبر التالي
الصفحات التفاعلية
لفظت مياه البحر صبا ح يوم كذا جثة رجل لم تحدد هويته ..وحسب شهود عيان فإن الرجل
غرق في مياه البحر عندما حاول أن يعبر لوحده إلى الضفة الأخرى على متن قارب صغير ،
فكلفته مغامرته المتهورة حياته صرخات صوتها الحادة ما
عادت تصل إلى مسمعي !
تفقدتها ··
بحثت بهدوء وسرعة بين الغرف المتاح لي دخولها ·· لم أجدها ·
تسارعت نبضات قلبي ·· والهدوء توقد واندفع في أطرافي ضجيجاً صاخباً :
- أين سارة ؟ ·· من رآها
استنفرت صاحبة البيت والزائرات ·· تبعثرن في الغرف والملحقات والسطح للبحث عنها ··
ولا أثر !
أركض بين الجدران وأجأر كلبوة ، وخطوط دمعي اللاهث تجأر معي ··
" خلي بالك من سارة ·· لا تنسيها في زحمة الضيفات وكثرة القيل والقال ·· أعرفك ! "
شدد علي بتنبيهاته وهو يوصلني إلى هنا ··
وكأن قلبه تنبأ بحدوث شيء ما !!
تسمر الأطفال في أماكنهم حين رأوا هلعي ودموعي ·· لم أخجل من الصراخ أمامهم
بهستيرية :
- أين سارة ؟ ·· من رأى ابنتي سارة ؟
تسابقت الأمهات لاستنطاق أولادهن ··
ارتعدت فرائص أكبرهم ·· فرك يديه ببعضهما :
- أنا لم أرها ·
ازدرد ذ و القميص الأصفر ريقه ورفع حاجبيه :
- أنا رأيتها ·
أمسكت بتلابيبه ·· اتسعت عيناي بمساحة رأسه :
رفع بنطاله الأخضر فوق خصره النحيل :
- كانت تلعب هنا قرب الباب ثم فتحته وناديتها فلم ترد علي وخرجت ·
دفنت وجهي بين كفي :
- يا إلهي ·· ليس في البيت رجال ، كلنا نساء وأطفال فقط ·· من سيبحث لي عنها خارج
البيت ؟
لوح ذو الوجه المستدير بسبابته السمراء القصيرة محذراً :
- وأنا أيضاً ناديتها ، قلت لها لا تخرجي من البيت حتى لا يصيبك ما أصاب الأرنب
الصغير الذي خرج من بيته واصطاده الصياد ، أمي قالت لي هذا ·· أليس كذلك يا أمي ؟
وضعت أمه يدها على فمه وطلبت منه السكوت ·
دوار يصيبني ·· وحلقي صحراء جافة لم تعرف طعم الإرتواء يوماً ..
- اعطوني عباءتي لأبحث عنها في الشوارع ·
تدخلت ذات الثوب المشجر :
- خرجت سارة لتلعب بالرمل الذي أمام البيت ، هي قالت لي أنها تحب اللعب بالرمل لكن
أمها تمنعها حتى لا تتسخ ثيابها ·
" منذ متى كانت سارة - ابنة السنتين - تعرف الكلام "
آه ·· ليتني ما نهيتها يوماً عن فعل شيء ما ·· ليتني ما منعتها منذ قليل من أكل قطع
الكاكاو التي تعشقها ·
وقف الأبيض ذي الشعر الكث المجعد على أطراف أصابعه منفعلاً :
- حين كانت سارة تلعب بالرمل وقفت سيارة حمراء فيها سائق له شوارب ، كأبي ، وناداها
السائق وأعطاها قطعة كاكاو وأخذها معه في السيارة ..
" يا ويلتي ·· خطفت ابنتي ! " ·
زمجرت ذات الغرة الكستنائية المتدلية على العينين :
- قلت لها لا تأخذي من الغريب شيئاً ·· أمي قالت لي لا تأكلي من أحد شيئاً ، ولا
تذهبي مع الغرباء أبداً ·
نهرها السمين الواقف أمامها بغضب :
- كاذبة ·· لا يا خالة ·· سارة لم تذهب في السيارة الحمراء ·· بل جاءت طائرة بيضاء
وركبت فيها ثم طارت ، راحت إلى البحر ·
" أراني كرة لحمية تتقاذفها أرجل صغيرة ملونة " ·
بأسى قال الأقرع الصغير وهو يحك أرنبة أنفه :
- الصحيح ، أن سارة طلعت إلى الشارع وجاءت سيارة ـ شبح - مسرعة ودعستها ونزل منها
الدم ·
" ابنتي ماتت ؟ ·· دعستها سيارة ! " ·
حبوت إلى الباب حبواً ·· ما عادت قدماي تحملانني ··
وفي صدري فحيح أم ثكلى !
وكحكيم ، نطق ذو الثوب الأبيض ، بعد صمت مطبق ، وعينيه تضيق وتتسع حسب مخارج كلماته
:
- لكن سارة قصيرة ، ولا تستطيع يدها أن تمسك بهذه ، لتفتحها - وأشار إلى مقبض الباب
- ·
تحنطت في مكان - مصر أخبار دردشة كلام في السياسة تسالي
دلو من الماء المثلج اندلق فوق رأسي
سكنتني رعشات متوالية ·· ودمي تيار متناوب ، نقطة مغلية ·· وأخرى متجمدة ·
قصيرة ·· لا تصل لمقبض الباب ·· لم تخرج ·· إنها في البيت
اشتعلت الحياة في أوصالي ·· تركبت أعضائي فوق بعضها البعض ·· وكالبرق طرت من بينهم
··
وقفت وسط المطبخ بحثت جيداً ··
وبهدوء تمطت ، من تحت مفرش الطاولة المتدلي حتى الأرض بارتخاء ،
قدمان حافيتان أعقبتهما ساقان رفيعتان
ثم جذعاً ناحلاً بذراعين سمراوين ثم عينان لا معتان وسط وجهٍ بني معجون بنصف علبة
الكاكاو المزروعة ، بكثافة ، تحت الطاولة